صفاقس و الحرب العالمية الثانية

 لزاهر كمون

بعد أن عانت مدينة صفاقس من هول الحرب العالمية الأولى و سجلت عديد الأضرار فوجئ أهل صفاقس بالحرب العالمية الثانية  التي انطلقت  سنة 1939 و لم تكن تفصل عن الأولى إلا 12 سنة.  دخل الجيش الألماني إلى صفاقس يوم 11 نوفمبر  1942 والتحق به الجيش الايطالي بعد أيام حيث قدم من البر من الصحراء الليبية أو بحرا من ايطاليا القريبة

دخول الجيش الالماني و الايطالي الى صفاقس

عمدت قوات المحور إلى استغلال الميناء فتجمعت عديد البواخر الحاملة للعتاد الحربي و الجنود و المؤن و تكدست على أرصفته صهاريج النفط و العربات العسكرية و غيرها من التجهيزات الحربية

عند احتلال قوات المحور صفاقس وقع إيقاف المراقب المدني الفرنسي الفراد شاستال و قاموا بالقبض على الديقوليين مثل لوبلان رئيس قسم الشحن بالميناء ورئيس نادي التنس بصفاقس

جيش قوات المحور بين الطوابي

كانت القيادة الألمانية تتمركز ببرج كعنيش في طريق المهدية و الهندسة العسكرية الألمانية كانت بساقية الداير في جنان الزواري كما استقر الألمان في المنازل التي هجرها أهلها. أما القيادة الايطالية فكانت بنزل الزيتونة و قد زار الجنرال الألماني الملقب بثعلب الصحراء أرفين رومل صفاقس

 

نزل الزيتونة

اثار رصاص الجيش الايطالي ببرج علولو بطريق تنيور

أطوار الحرب

لم يكن رد فعل قوات الحلفاء سريعا و كان أول  رد بعد مدة و بالتحديد في 28 نوفمبر 1942

 فقد دكت قوات الحلفاء الميناء و محطة القطارات و خطوط سكة الحديد و محطة توليد الكهرباء

ضربت أولى القنابل المدينة من جهة محطة القطار ثم المدينة العتيقة من جهة زاوية سيدي علي النوري و تهدمت دار الصادق الفوراتي التي أصلحت على نفقة أضرار الحرب و تصدعت دار بوزيد و دار النوري

إلا أن القصف كان أيضا قبل قدوم الألمان إلى صفاقس ففي 30 ماي 1941 شنت الطائرات البريطانية هجوما على ميناء صفاقس على الساعة الثامنة صباحا  و قد تعقب سلاح الجو البريطاني سفينة حربية  ايطالية أرست بميناء صفاقس قبل يوم من القصف و قذفت الطائرات ثمانية قذائف دون إصابة أهدافها

قصفت قوات الحلفاء يومي 14 و 15 ديسمبر 1942 صفاقس ملحقة أضرارا بحي الجندرمة في مولنفيل و يوم 26 ديسمبر أحرق أحد القطارات وأصيبت منشئات الميناء و طالت الأضرار منطقة مدغسقر

يوم 25 ديسمبر 1942 ضربت القنابل الحديقة العمومية في الساعة التاسعة صباحا

يوم 26 ديسمبر 1942 أطلقت حوالي 20 قنبلة على الميناء و منطقة مدغشقر

يوم 27 ديسمبر 1942 على الساعة الخامسة و الربع صباحا سقطت 4 أو 5 قنابل على الأراضي الجرداء قرب المستشفى الجهوي

يوم 30 ديسمبر 1942 دكت طائرات الحلفاء الميناء من جديد و في اليوم التالي قام الأمريكان و الانكليز بقصف الميناء و محطة القطارات

في 5 جانفي 1943 دمرت محطة توليد الكهرباء جزئيا و تلقت ضاحية بيك فيل أضرارا

يوم 28 جانفي 1943 حدث قصف أخر في صفاقس

طاردت قوات الحلفاء غواصات الرايخ الثالث مما أدى إلى ظهور عشرات الجثث على شاطئ البحر

تم قصف الميناء باعتباره محطة خزن للذخيرة الحربية الألمانية و الايطالية و نقطة انطلاق أساسية للجيوش النازية  والفاشية

كان الأسرى من الانكليز و الأمريكيين يجمعون من قبل قوات المحور في منطقة الحفارة

نهاية الحرب

في افريل 1943 انهارت مقاومة القوات الألمانية و الايطالية التي تحصنت بوادي العكاريت قرب قابس تحت سيل أمطار قنابل طائرات الجيش الانكليزي الثامن و أعلنت ذلك إذاعة لندن

لم يتوقف القصف إلا في الأسبوع الأول من شهر افريل 1943 و بقي بعض الجنود الانكليز في صفاقس حتى 12 جوان 1943 أي بعد شهرين من مغادرة الألمان صفاقس

دخلت جيوش الجنرال مونقمري صفاقس يوم 10 افريل 1943 على الساعة الثامنة و الربع صباحا و التحق مونتقومري بجيشه يوم 17 افريل 1943

عند انتهاء الحرب استمع الناس قرب مولنفيل إلى صياح التونسيين و الفرنسيين و موسيقى الجنود الاسكتلنديين و عرض عرباتهم العسكرية و نظم الانكليز و الأمريكان سهرات راقصة بقاعة الأفراح البلدية بباب البحر

نتائج الحرب على البنية التحتية

أدى القصف العنيف على صفاقس إلى تدمير عديد المنشئات و الحي الإفرنجي و باب البحر  فتهدم المسرح القديم و الكاتدرائية الكاثوليكية و ساعة باب الديوان و المدارس الايطالية و دمر الحي الإفرنجي بالكامل و ماكينة غلولا و قتل الأسطى احمد قوبعة و تهدم جزء  من المعهد الثانوي للذكور

كان في نهج القريق أو اثينا أو البطاطا في باب البحر مدرسة لتعليم العزف على الآلات الموسيقية فتهدمت كما تضررت سكريتيرية بلدية صفاقس و المتحف الذي يوجد بالبلدية و دمرت بعض كنوزه مثل لوحة اورفاي و أغلق أمام العموم

توجد إحدى الدفاتر في  السكريترية كتب عليها: هذه البقعة (لحقت بالصفحة نتيجة انسكاب قارورة الحبر) عل اثر قصف سكرتارية البلدية بالقنابل يوم الأربعاء 14 ديسمبر 1942 على الساعة الثالثة و عشرين دقيقة بعد الظهر. الإمضاء محمد الحلواني

تضرر الميناء كثيرا و  من مظاهر الدمار: تحطيم الجرافة ريجونس و آلة الرفع العائمة تيتان و القاطرة الايطالية اوداكس و غمرت الأحواض بالمراكب الغارقة و حطام السفن و تعرضت الأرصفة إلى أضرار جسيمة, دمرت التجهيزات النفطية و الفسفاطية خاصة التابعة لشركة فسفاط جبل المظيلة و شركة الفسفاط التونسي و تحطمت سكك الحديد صفاقس قفصة

كما تضررت المدينة العتيقة و من بين المعالم التي تضررت بها الجامع الكبير الذي تطلب عديد الإصلاحات و فقد جامع العجوزين تزويقه و تهدم مقهى القريق ببرج النار و جامع الدريبة أو جامع سيدي اللخمي و ساعة باب الديوان و مسجد الشيخ محمد السبتي (تحول إلى حمّام شعبي عصري أحدثته بلدية صفاقس سنة 1964 و يقع بنهج برج النار) و جامع سيدي بالحسن و زاوية الحاج خليفة

اثار احدى القنابل التي سقطت على مقام سيدي بالحسن بالمدينة العتيقة

تداعيات الحرب على السكان

أدى القصف العنيف و المعارك القوية إلى هرب سكان المدينة الأوروبية و المدينة العتيقة إلى الأبراج البعيدة وقد استقبل أهل صفاقس أفراد الجاليات الأوروبية من فرنسيين ومالطيين و ايطاليين و يونانيين في منازلهم و قدموا لهم الأكل و المعونة كما حمى الصفاقسيون اليهود الذي عانوا من ظلم الألمان بعد أن فرضوا عليهم الأشغال الشاقة و لبس نجمة صفراء لمعرفتهم

حفر أهل صفاقس خنادق كانوا يسمونها الطرنشيات و كانوا اذا صفرت صفارات الخطر خرج كثير منهم إليها  هربا من القنابل و التجأ الكثيرون إلى الذكر و السبحة عند الغارة

كان الناس يتصورون أن الألمان يحبون العرب و يساعدون التونسيين على الاستقلال و لذلك أحبوا الجنود و أحسنوا معاملتهم و كان الألمان يتوددون إلى الأهالي فيعطون الحلوى و الشكلاطة إلى الأطفال

كان أهل صفاقس يتابعون أخبار الحرب من خلال الاستماع إلى إذاعة لوندرة و إذاعة باري و يذيع منها مذيع عراقي اسمه يونس بحري و يقول الحج هتلر و صدق بعض الناس في إسلامه و لما قتل هتلر ظهر أن يونس بحري كان جاسوسا بريطانيا ضد الالمان كما قام أهل صفاقس بقراءة الصحف فقد كانت عديد صحف المحور تأتي إلى صفاقس مثل جريدة سبعة أيام و ''تام'' و هي اختصار تونس و الجزائر و المغرب و تطبع في الجزائر و توزع كل يوم احد و جريدة سينيال و تأتي من فرنسا و هي جريدة دعائية ألمانية

كانت الكهرباء تنقطع عديد المرات في اليوم و صنع الصفاقسيون الأحذية من عجلات السيارات كما تضررت الفلاحة بسبب الإهمال أو المعارك و تعطلت المدارس و النقل كما توقفت السيارات لنقص الوقود

أدت الحرب إلى نقص المؤونة بسبب توقف التوريد و توقف الإنتاج و خضع السكان لنظام الحصص أو ما يعرف بالبونوات و شهدت المحلات الصفوف الطويلة: يأخذ رب العائلة عن طريق الشيخ البونوات و كل بونو يخول له الحصول على كمية محدودة من مادة محدودة يشتريها من الدكان و الخباز

نتيجة لظهور البونوات ظهرت عديد الأغاني من بينها

ياعيني, الدنيا حلاوات و العيشة بالبونوات

و في الدخان

ماقهرني كان البونو السابع حتى السيقارو بالطابع

و في التاي

الشاهي مات اللطف عليه

نبيعو عليه الحوليات اللطف عليه

نبيعو عليه السوريات اللطف  عليه

ظهرت في صفاقس الأمراض و الأوبئة  و برزت  السوق السوداء باستغلال بعض التجار نقص المواد الغذائية  كما انتشرت السرقة و النهب

من بين الأغاني التي انتشرت في تلك الفترة و تتحدث عن ظهور السوق السوداء:

يلي تحب تعمل افار       من حينك للمارشي نوار

دورة و عكلة في مشوار           تولي تاجر مالتجار

ما بعد الحرب

دامت الحرب سبعة أشهر و بعد انتهاء القصف وقع إيقاف المتعاونين مع الألمان من قبل الفرنسيين و قاموا بسجنهم أو إعدامهم و من بين الذين تم زجهم في السجن محمود كريشان و أحمد دريرة و محمود شاكر و أحمد بن عياد  ثم أطلق سراحهم و تم أيضا مصادرة أملاك الايطاليين (أكثر من 100 ايطالي)

أمر الهادي شاكر أهل صفاقس بجمع الأسلحة و العتاد بعد الحرب و كان الايطاليون يقايضون الطعام بالسلاح و استعمل بعد ذلك لمقاومة الاحتلال الفرنسي و ساعدت الظروف بعد الحرب العالمية الثانية على توفير مساحة مناسبة من الحرية للمطالبة بالحرية و الحقوق النقابية

بدأ رفع ركام المباني المهدمة من القصف العنيف و لم تنته عمليات رفع أنقاض الحي الإفرنجي مثلا إلا سنة 1945 و كان الأسرى الألمان يصلحون الأضرار التي سببتها الحرب فقاموا بإصلاح السكة و الميناء

تم بعد ذلك بناء باب البحر من جديد بطريقة منظمة وفق مثال للتهيئة فبني الحي التجاري الجديد و جامع السلامي و المسرح البلدي الجديد  و عديد المباني الاخرى

انطلقت عمليات إصلاح الميناء يوم 20 مارس 1944 بجرف التربة و الزيادة في عرض قناة الدخول و تعميقها

صدر أمر علي بمصادرة قطعة ارض مساحتها 240م على ملك الحكومة الايطالية لتوسيع المعهد الثانوي للذكور و بني جزء جديد سنة 1947

سنة 1946 و في إطار أشغال حماية المواقع بالبلاد التونسية تم هدم منارة الساعة بباب الديوان التي تضررت بقنابل الحرب

 1943 صور بالالوان للحرب التقطت في جوان 

مقبرة الكومنولث التي تخلد ضحايا الحلفاء في الحرب العالمية الثانية

المصادر

صفاقس و الاحتلال لرضا القلال

تاريخ الحركة المسرحية بصفاقس لمحسن التونسي

مدونة النقائش العربية بمعالم مدينة صفاقس لفوزي محفوظ و لطفي عبد الجواد

ميناء صفاقس خلال الفترة الاستعمارية لسمير البرشاني

البلاد العربي بصفاقس قصة 12 قرنا من التاريخ و الحضارة لرضا القلال و خليل قويعة

السماع عند الصوفية و الحياة الموسيقية بصفاقس في القرنين التاسع عشر و العشرين لعلي الحشيشة

كان يا  ما كان في صفاقس لمحمد الحبيب السلامي

التأريخ لأعلام الفقه عبر العمارة أبو الحسن اللخمي في ذاكرة مدينة صفاقس لنهاد بن شعبان التاجوري

صفاقس حديث القلب لعبد  القادر المعالج

محمود خروف أعلام في الذاكرة الدكتور للشيباني بنلغيث و الأستاذ محمد الحبيب السلامي

موجز تاريخ المؤسسة البلدية بصفاقس 1884-1956 لرضا القلال

حين حدثتني جدتي عن صفاقس... لسامية عمار بو عتور

تاريخ صفاقس الحياة العمرانية لبوبكر عبد الكافي

أعلام في الذاكرة المربيان الحاج خليفة الطياري و حسن الزغيدي لمحمد الحبيب السلامي

Leave a reply

Your email address will not be published.