دراسة حول أمك طنقو أو امك طنبو أو التانيت
لمحمد زاهر كمون
ماهي التانيت؟
تعتبر التانيت آلهة قرطاجية لكن لم يتفق المختصون إن كان أصلها شرقيا فينيقيا أم إفريقيا محليا. التانيت هي حامية قرطاج وعبدت مع بعل حمون كبير الألهة فهي تعتبر رمزا للخصوبة و الأمومة و النماء.
كان السكان يقدسونها كثيرا وقد ورد في نقش قرطاجي: « إلى الربة تانيت، وجه بعل، وإلى الرب بعل حمون، هذا ما كرّسه بُدملقرت بن عبد ملقرت بن هملقرت، لأنه سمع صوته، فليباركه الإله «
كان للتانيت رمز معروف يتمثل في مثلث يعلوه دائرة و يفصل بينهما خط أفقي و يمثل هذا الرمز امرأة وقد وجد هذا الرمز في آلاف النذر الجنائزية و في المنازل و الأواني الفخارية بقرطاج و كركوان و عديد المدن البونية الأخرى…
بعد تدمير قرطاج سنة 146 قبل الميلاد لم تنقرض هذه الآلهة من إفريقيا بل واصل السكان عبادتها إلا أن اسمها تغير في العهد الروماني وأصبح كالستيس
كما اثبت الخبراء بقاء هذه الربة حتى بعد الفتح الإسلامي و إلى اليوم
أمك طنقو او امك طنبو
بقي التونسيون إلى اليوم يخرجون بأمك طنقو أو أمك طنبو للاستسقاء و طلب الغيث و كان الأطفال يلبسون دمية على شكل صليب خرقا و يطوفون بها في الحي و هم يغنون:
أمك طنبو شهلولة** ان شاء الله تروح مبلولة
أمك طنبو باسخايبها** طلبت ربي ماخيبها
أمك طنبو يا لولاد** ان شاء الله تروح بالواد
أمك طنبو يا صبايا**بالبازين و القلاية
أمك طنبو يانسا** بالبازين و الحسا
و كان النساء بالحي يخرجن و يرششن الدمية بالماء و عندما لا ينزل الغيث يقومون بحرق الدمية. لكن عند نزول المطر يغنون
يامطيرة خالتي** صب على قطايتي
قطايتي مبلولة**بالزيت و الزيتونة
عديد الأجانب لاحظوا وجود هذه العادة بتونس و من بينهم المراقب المدني بالقيروان شارل مونشيكور حيث تحدث عن بنات الجلاص الذين يسرن حاملات عصا طويلة تلبس على شكل دمية و يلقى عليها الماء أثناء تجوالها في الحي كما أكد لاوست ذلك. و تحدث الدكتور برثولون عن لعب الكرة من قبل الفتيات أثناء طقس التانيت و ذلك طلبا للغيث
توجد هذه العادة بكامل أنحاء البلاد التونسية فقد ذكر حسونة الملولي وجودها بالساحل في كتابه تاريخ السقاية بصفاقس كما حدثتني جدتي عن ممارستها في صفاقس و قد قام الأطفال الشهر الفارط (سبتمبر 2015) في أحد الأحياء بسيدي منصور بطلب الغيث من خلال طقس أمك طنقو.
تحدث أحمد الحمروني في كتابه تستور وثائق و دراسات عن ممارسة هذه العادة في مدينة تستور الأندلسية قائلا: تنشد بنتان وهما تشدان منديلا اخضر أو يلبسن فستانا بالأكمام لإحدى قوائم المنسج مشدودة إلى قصبة مرفوعة على شكل صليب و عليها منديل اخضر و ينشدن:
تهلولة يا تهلولة ** إن شاء الله تروح مبلولة
ياربي تنظر لنا** و أحنا صغار أش عملنا
فيخرج النساء من ديارهن أواني مملوءة و يرششن به المنديل
كما يقول الدكتور عقون محمد العربي في كتابه الاقتصاد و المجتمع في الشمال الافريقي: « يقوم الإفريقيون مثل أحفادهم المغاربة اليوم بالإكثار من الشعائر السحرية للحصول على الغيث مثل الطقس الذي لا يزال يمارس إلى اليوم و هو الطواف بعروس المطر و هي ملعقة كبيرة مصنوعة من الخشب تلبس بقطع من القماش مختلفة الألوان وهو طقس يعبر عن قدرة هذا الرمز على إنزال المطر (انزار) » وتعرف العروس بالتاغنجة او البوغنجة و التاغنجوت هي الملعقة باللغة البربرية
حسب عثمان الكعاك هذه نسخة اخرى من اغنية امك طمبو
امك طمبو يا صغار** طلبت ربي عالنوار
امك طمبو يا لولاد **غسلت جبهتها في الواد
يا الله و يا الله **صب الغيث ان شاء الله
يا الله و يا قرين فول **يا الله و صبح مبلول
يا الله و قرين فلفل** يا الله و صبح متفلفل
يا الله و قرين طرشي **يا الله و صبح في كرشي
امك طمبو بسخيبها **طلبت ربي لا يخيبها
كانت نساء مدينة جامة او زامة بسليانة اذا شحت قريتهن من الماء يطفن البيوت لجمع لوازم طبخ المحمصة للمأدبة التي ستقام على شرف ولي صالح مشهور اسمه سيدي بن تليس كما كان الاطفال يطوفون بعصا خشبية و يقولون
قايمة شهلولة مشيتي شايحة روحتي مبلولة
و كلما مروا بمنزل خرج احد افرادها ليصب القليل من الماء
يقول الصبية ايضا
امك طنبو أعطونا الشعير يملأ قدركم بالغدير
تقترن هذه الاغاني يتنشيد هطول المطر بجملة من الطقوس و الممارسات الشعبية و في صفاقس تقوم النساء بتسليم قدح من الشعير للاطفال ليطحنوه معتقدين ان ذلك يجلب الغيث. و تماشيا مع هذه الاغنية يقوم الصبية برفع الشاشية عند ظهور بوادر المطر و السحاب في فصل الصيف
يتغنى الصفاقسي قديما بالمطر قائلا :
يا مطر يا مطارة اسق عروق الذكارة
و اسق محمد و علي و فاطمة بنت النبي
مشى الحبيب يزروها مالقاهاش في دارها
لقى الحجر و المدر صب الليلة يا مطر
يا مطر يا ميمونة اسق عروق الزيتونة
و اسق محمد و علي و فاطمة بنت النبي
مشى الحبيب يزروها مالقاهاش في دارها
لقى الحجر و المدر صب الليلة يا مطر
عادة امك طنبو أو طنقو موجودة أيضا في قرية عقارب في صفاقس
هل أمك طنبو هي التانيت؟
عديد المختصين و الباحثين اثبتوا في كتاباتهم أن أمك طنقو هي امتداد للآلهة القرطاجية التانيت فآلهة الخصوبة القرطاجية كانت تحمل الغيث النافع للسكان و تواصل الاعتقاد بذلك إلى اليوم لكن تم تغيير الاسم من التانيت إلى طنقو أو طنبو و تم إلغاء الطابع الوثني لهذه الإلهة فهل يمكن الحديث عن اسلمة الآلهة التانيت؟ و هل تم تحويلها إلى الدين المسيحي في عصور سابقة؟ مما جعلها تعيش بيننا اليوم؟
الجلوة الصفاقسية
من بين مراحل الزواج في مدينة صفاقس الجلوة حيث يتم إلباس العروس كسوة خاصة تعرف بكسوة الجلوة لونها ذهبي و تقوم « الصناعة » بوصفها و التغني بها على أنغام الموسيقى. في إحدى المشاهد تقوم العروس بوضع يديها بطريقة أفقية فوق صدرها لتكون رمز التانيت فهل هي طريقة لزيادة خصوبة العروس قبل الزواج بما أن التانيت هي آلهة الخصوبة؟
المصادر
المحرس للاستاذ الهاشمي بيبي
المهدية عبر التاريخ الطيب الفقيه احمد
التقاليد و العادات التونسية عثمان الكعاك
Pratiques corporelles et sportives dans la culture tunisienne Abdelwaheb Chahed
تاريخ السقاية بصفاقس لحسونة الملولي
تستور وثائق و دراسات احمد الحمروني
أطفال تونس و ألعابهم لعثمان الكعاك
الاقتصاد و المجتمع في الشمال الافريقي القديم للدكتور عقون محمد العربي
Sfax aux XVIII ème et XIX ème siècles. Chroniques d’une ville Méditerranéenne Ali Zouari
صفاقس, جدلية الماء و الضمأ ليوسف الشرفي
اساطير جامة مقاربة انتروبولوجية لسماح الصرارفي عبيد
مدخل لدراسة تاريخ عقارب: شمس الدين بن عمار
المنشات المائية بمدينة صفاقس خلال الفترة العثماني: دراسة تاريخية و أثرية لسنة حمدي
Pingback : Zaher Kammoun » » صفاقس و المطر