تاريخ الصهيونية في صفاقس
لمحمد زاهر كمون
تعتبر الصهيونية حركة سياسية يهودية ظهرت في وسط و شرق أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر و دعت اليهود للهجرة إلى ارض فلسطين بدعوى أنها أرض الأجداد و ارتبطت هذه الحركة بالنمساوي هرتزل الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث وانتشرت بعد ذلك الصهيونية في كل أرجاء العالم
كان الانطلاق الفعلي للنشاط الصهيوني في تونس سنة 1897 سنة التئام المؤتمر الصهيوني الأول ببازل بسويسرا و قد تواصل هذا النشاط إلى أوائل الخمسينات أي بعد بضع سنوات من تأسيس دولة الكيان الصهيوني في فلسطين سنة 1948
حسب الدكتور الهادي التيمومي مرّت الصهيونية في تونس بعديد المراحل و هذه أهمها
النشأة: من 1897 إلى 1911-
من 1911 إلى نوفمبر 1917: تأسيس أول تنظيم صهيوني في تونس في جانفي 1911 إلى وعد بلفور في نوفمبر 1917 وهي مرحلة الدبيب-
مرحلة الوقوف على الأرجل: من نوفمبر 1917 إلى جويلية 1927 و هو تاريخ سقوط الحركة الصهيونية في يد التنقيحيين-
من جويلية 1927 إلى ماي 1936: الخطوات المتعثرة و كانت النهاية باستلام ائتلاف اليسار لدفة السلطة السياسية بفرنسا-
الحفاظ على البقاء من ماي 1936 إلى افريل 1938-
المد من أفريل 1938 إلى ماي 1948 تاريخ تأسيس دولة الكيان الصهيوني-
كان يوجد في تونس أكثر من 40 تنظيم صهيوني طيلة هذه الفترة و نذكر منها الاغودات صيون و اليوشبات صيون و تكوات صيون والاغودات اسرائيل و كانت هذه التنظيمات تمثل العديد من التيارات منها التيار التنقيحي و التيار الصهيوني الاشتراكي و التيار الصهيوني العام و التيار المزراحي و التيار الخيري و تيار الهاشومير هاتزاير
كانت الصحافة العبرية و الصهيونية تنشط بقوة في هذه الفترة و تدعو إلى دعم الحركة الصهيونة ماديا و معنويا ومن بين الصحف ذات الانتماء الصهيوني الواضح نذكر: البستان و الاتحاد و الصباح و صوت صهيون و مبشرات صيون و كل صيون و صوت إسرائيل وكاديما و تل ابيب و كراسات بيتار و غيرها
النشاط الصهيوني بصفاقس
عرفت صفاقس مثل اغلب المدن التونسية التي تقطنها الأقلية اليهودية حركة صهيونية هامة فإضافة الى الحركات التي كانت لها فروع في صفاقس كان لهذه المدينة حركتها الخاصة و تعرف باسم اوهافي صيون و التي تأسست بمقتضى مرسوم صادر في 7/17/ 1915 و كان خطها خطا صهيونيا عاما و لا نعرف إن كان لها فروع خارج صفاقس أم لا
كان شباب هذه المنظمة ينتظمون ضمن إطار كشفي سمي بنفس الاسم: اوهافي صيون
كما كان يوجد اطار كشفي اخر بصفاقس يعرف باسم بني اكيفا
خلال المؤتمر الخامس للصهيونية سنة 1902, نشر اليهود التونسيون رسالة دعم لهرتزل و الصهيونية ممضاة من قبل 100 يهودي من صفاقس
موقف يهود صفاقس من الصهيونية
اتسم موقف يهود صفاقس في اغلب الأحيان بعدم المبالاة و يظهر ذلك من خلال عدم هجرة يهود صفاقس إلى فلسطين و عدم دعمهم لا ماديا و لا معنويا للحركة الصهيونية فقد كتب جاك بيلي في جريدة اليقظة اليهودية في عددها ليوم 21 جويلية 1933: « إن يهود تونس بصفتهم إحدى قبائل إسرائيل لا يريدون المشاركة بقسطهم في إعادة تعمير ارض إسرائيل. ألا تبا لشبابنا اليهودي في تونس و صفاقس و سوسة, و تبا لمثقفينا الذين يعتقدون أنهم محور العالم, و تبا ليهودنا المصرفيين و قناصي الصفقات الذين ترزخ كواهلهم تحت أثقال النفاق و المراوغة »
بعد الحرب العالمية الثانية و الاضطهاد الذي عاشه يهود صفاقس, أصبح هؤلاء الآخرون مهتمين أكثر بالحركة الصهيونية و أحسوا أن فلسطين هي الأرض الموعودة التي سوف تحمي كرامتهم و يعيشون الحياة السعيدة مع أبناء دينهم المشتتين في كل أنحاء العالم في هذا الوطن الموعود فعادت الحركات الشبابية الصهيونية تعمل من جديد و فتحت فروع لحركات بيتار و الهاشومير هاتزاير و بني اكيفا
شهدت صفاقس حركات هجرة إلى فلسطين المحتلة خاصة في سنوات 1948 سنة تأسيس دولة الكيان الصهيوني و 1956 سنة استقلال البلاد التونسية و 1967 أيام الحرب العربية الإسرائيلية أو النكسة
جريدة اليقظة اليهودية صوت الصهيونية في صفاقس
تعتبر جريدة اليقظة اليهودية أهم جريدة صهيونية في تونس حتى احتجابها النهائي سنة 1933, ظهر أول عدد منها يوم 12 سبتمبر 1924 في صفاقس و قد أسسها فيليكس علوش و هي أسبوعية تصدر باللغة الفرنسية كل يوم جمعة بمقاس 44*28صم ثم 55*35صم في أربعة صفحات و أحيانا ستة و ثمنها 30 سنتيما للعدد الواحد و 20 فرنكا للاشتراك و مقرها مطبعة الجنوب 18 نهج فيسور صفاقس
اتسمت هذه الصحيفة بالشوفينية و العنصرية و دأبت الصحيفة على ترديد أن الصهيونية هي إيديولوجية البلوريتاريا و كانت تصف العرب الفلسطينيين بقطاع الطرق و النهابين و المتهوسين. قامت هذه الصحيفة بدور خطير في تجنيس اليهود بتونس وفي الدعاية لإقامة دولة إسرائيل وجمع التبرعات والأموال لذلك. غطت الجريدة جل الأحداث و الأنشطة التي تقع في العالم و المتصلة باليهود والحركة الصهيونية من خلال مواكبة المؤتمرات و المحاضرات داخل و خارج تونس كما احتوت الصحيفة على أركان ثقافية قارة
كان للصحيفة رواج هم في تونس و دول المغرب العربي كما كانت توزع في فرنسا فطالب مديرها المنظمة الصهيونية العالمية إعانته ماديا لنقلها إلى تونس فأجيب بالرفض.
و رغم ذلك نقل فيليكس علوش صحيفته إلى تونس و صدر أول عدد لها يوم 11 أفريل 1930 و احتجبت نهائيا سنة 1933 و قد بدأت نصف شهرية ثم أصبحت شهرية و من بين أسباب احتجابها تردي وضعها المادي و خذلان أصدقاء فيليكس علوش له بعد أن وعدوه بشغل بتونس العاصمة مقابل نقل الصحيفة إليها. كان مقرها في تونس في 2 بطحاء جول فيري تونس ثم نهج ايطاليا
دعت الصحيفة إلى إيفاد شخصيات بارزة إلى تونس مثل حاييم ويزمان الذي يعتبر ثاني أهم شخصية صهيونية بعد تيودور هرتزل و ناحوم سوكولوف الذي يعتبر المؤرخ الرسمي للحركة الصهيونية في العالم
بعثت المنظمة العالمية الصهيونية برسالة إلى إدارة الجريدة تثمن فيها الدور الذي تضطلع به: « يسرنا إعلامكم بالمتعة التي تحصل لنا حين نقرأ صفحات اليقظة… و مع علمنا بالصعوبات التي تواجهونها, فإننا نشجع استمرار هذه الصحيفة التي تحمل فكرا يهوديا صهيونيا خالصا… اليقظة هي أداة نضال مطالبة بالقيام بدور هام في نشر و دعم الحركة الصهيونية بشمال إفريقيا » (اليقظة 3 مارس 1929)
من بين ما كتب في الصحيفة:
جاء في افتتاحية عددها الأول:
إنّ الجريدة ستكون صهيونية لأن ذلك واجب على كل يهودي و ستشارك في عمل المناضلين الذين رغم الصعوبات فهم في طور تحقيق أحلام الأطفال الإسرائيليين ».
« إن اليهودية ليست فقط دينا بل هي على الأخص عرق. و يعد العرق اليهودي من أصفى الأعراق (في العالم), إن لم يكن أصفاها على الإطلاق » 13/2/1925
» إن اللاسامية في الواقع معششة في كل مكان, و كراهية اليهود كامنة في اللاوعي البشري, و هي عادة مألوفة و ظاهرة تنقل بالوراثة » 2/9/1927
« يا يهود كل البلدان, تكاتفوا من اجل تأسيس قومية يهودية » 3/10/1924
عند وصول هتلر إلى الحكم في ألمانيا سنة 1933, أحس اليهود بالخطر و خاصة على أبناء دينهم بألمانيا و تقول جريدة اليقظة اليهودية في عددها الصادر يوم 21 جويلية 1933: إن الوضع البائس لليهود يطرح نفسه بحدة لم يعرفها في السابق أبدا. فلقد تعمقت اليوم مأساتهم أكثر من أي وقت مضى. فهناك 600000 يهودي في ألمانيا اليوم أصبحوا اليوم مهدوري الدم
« اليقظة تتمنى لإسرائيل عاما سعيدا ينتهي بتحقيق إنشاء دولة إسرائيل و شعبها » 260الون 1590 أو 19 سبتمبر 1930
من هو فيليكس علوش صاحب جريدة اليقظة اليهودية
فيليكس علوش هو تاجر و صحفي ولد بصفاقس سنة 1901 و درس بمدرسة الرابطة الإسرائيلية. أسس جريدة اليقظة اليهودية سنة 1924 و كان يتولى تنشيط حصة باللغة العبرية مدتها نصف ساعة براديو تونس كما كان قبل ذلك محررا في جريدة لاديبيش سفاكسيان أو رسالة صفاقس و مراسلا لصحيفة صوت إسرائيل. توفي فيليكس علوش سنة 1978
المصادر
الحركة الصهيونية بتونس 1897-1948 للدكتور الهادي التيمومي
موقع هريسة المهتم بيهود تونس
الجمعيات بصفاقس زمن الاستعمار الفرنسي لكمال الحكيم
باب بحر للدكتور رضا القلال
تصور الصحف الصهيونية التونسية للدولة اليهودية « الثلاثينات » لكلثوم السعفي
الصحافة بصفاقس من 1904 إلى 1982 لمحمد الشعبوني