تاريخ ذوي البشرة السمراء في صفاقس
لزاهر كمون
يعتبر الزنوج من اهم الاقليات في صفاقس و قد ارتبط ظهورهم خاصة بازدهار التجارة في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر فقد كان اهل صفاقس يجلبون العبيد من المدن الافريقية من كناوة و تنبكتو و برنو لبيعها في سوق النخاسة و رغم الغاء العبودية من قبل احمد باي سنة 1846 فان الصفاقسيين استمروا بالتجارة بالعبيد و كان الاجانب يجلبونهم خلسة الى صفاقس كما ان الصفاقسيين القاطنين خارج البلاد في مصر و طرابلس كانوا يرجعون الى مدينتهم و معهم تابعوهم من العبيد السود و ذكر لنا الرحالة ادوارد راي: منذ بضع شهور جلب أحدهم عددا كبيرا من العبيد-السود- الى صفاقس و لكنهم اعتقوا بأمر من الحكومة
حالة الزنوج قبل عتقهم
كان اهل صفاقس يسخّرون العبيد في مختلف الاعمال المنزلية و الاقتصادية و كانوا يمتلكون عن طريق الشراء و الورثة و الهدية و الصدقة و كان عقد القران في صفاقس يمكن ان يحتوي, اضافة الى الحلي و الملابس و غيرها, يحتوي على أمة لتكون في خدمة العروس بعد زواجها و الخادم من الهدايا التي يقدمها الزوج لزوجته
و من بين اغاني الزواج في صفاقس التي تذكر الخدم
يا سعدي بوليدي كان مع العراسة روحلي عقب الليل
يلقى الميمة قاعدة و يقوللها صباح الخير
لابس زوز كساوي و جبة حرير
يلقى الوصيفة واقفة تنقز تنقيز
و يلقى الوصيف واقف يعقل في البعير
و يلقى العروسة راقدة فوق فرش الحرير
و كذلك
مشّي العروسة قدم قدم ما بين العشرة من الخدم
و كذلك
يا خادمة ارمي الطبق سيدك عالباب دق
و لا نعرف معاملة اهل صفاقس للعبيد لكن الشيخ مقديش في كتابه نزهة الانظار في عجائب التواريخ و الاخبار يذكر ان الطاعون سنة 1789م كان أشد بين العبيد و قد يكون ذلك لضعف اجسامهم لسوء التغذية او لكثرة العمل و قد قال في مدونته عن هذه الحادثة: لم يبق من الزنج الا النادر الذي يعدّ
و كان العتق موجودا في صفاقس فالعتق محبب و هو ابتغاء مرضاة الله ولذلك كان العبد يتحصل على الحرية اما في حياة العاتق او بعد وفاته تطبيقا لوصيته و نجد موضوع العتق في أغاني الاعراس:
يا عروس ماهي اللي جات دخلت للسقيف
يا عروس على عينيها اعتق لوصيف
كان المخدومون يزوجون خدمهم الرجال من خدمهم النساء اما أغلب الخدم فقد بقوا بدون زواج
الزنوج بعد العتق
بعد الغاء العبودية و بداية تعوّد اهل صفاقس على ذلك تحرر السود من ظلم العبودية و لكن اندماجهم في المجتمع كان صعبا بالمقارنة باندماج العبيد البيض (العلوج) التي كانت بشرتهم مثل بشرة اهل صفاقس و تعودوا على عادات البلاد و تلقب اغلب الزنوج بالقاب الاسرة التي كانوا يتبعونها مثل لقب الفندري و لقب الفراتي و لقب الكشو و الخوفي و الجربي والغدامسي و الحمروني وهي عائلة سكنت بمنطقة الاعراض كما ان بعض الزنوج اخذوا القابا تشير الى موطنهم الاصلي فنجد الشوشان من تنبكتو و الجناوي من جناوة و البرناوي من بورنو
حمل أغلب ذوي البشرة السمراء اسماء تدل على الفرحة و الامل و التبرك لنسيان الماضي الاليم فنجد لدى الرجال سعد و مسعود و سعيد و خير و بلخير و رزق و مرزوق و مهدي و مبروك و مبارك و فرج و جمعة و عند النساء مسعودة و بركة و سالمة و خضرة و مبروكة و اسم شوشان و شوشانة و هو مرادف للاسود ونجد كذلك اسم معتوق و يدل على العتق من العبودية
بعد التحرر بالكامل دخل ذوو البشرة السمراء في المجتمع الصفاقسي فاصبحوا يملكون المنازل و الاراضي الفلاحي و يدفعون الضرائب و يتعاملون مع اهل صفاقس بدون تمييز و جعل لهم قائد يعرف بقائد العبيد و له نائب و يسمى في الوثائق الحكومة قائد الوصفان و كانت هذه الوظيفة موجودة قبل العتق و كانت مهمته ارجاع العبيد الفارين الى اصحابهم ثم بعد العتق اصبحت مهمته الرئيسية جمع الضرائب من ذوي البشرة السمراء
لم يقع الغاء اسم العبيد عن ذوي البشرة السمراء في صفاقس في الوثائق الرسمية حيث ان العبودية بقيت موجودة بشكل خفي الى ان تم منعها نهائيا سنة 1890 بصدور الامر العلي الذي اقر ايضا بعقاب مالكي العبيد
رغم العتق بقي البعض من ذوي البشرة السمراء يعملون لدى مخدوميهم و ربما يعود ذلك الى حسن المعاملة او مخافة التشتت و الضياع كما ان بعض اهل صفاقس زوجوا الزنوج الذين كانوا يعملون عندهم وقدموا لهم الهدايا
تزوج ذوو البشرة السمراء بعد العتق من بني عرقهم وذلك لتكوين عائلات عاشت بصفة عادية في صفاقس كما نجد بعض الحالات النادرة للزواج بين رجل اسود و امرأة بيضاء مثل زواج الشوشان الحمروني بزينب عبد الناظر سنة 1906
قرية العبيد
ذكر لنا الرحالة ادوارد راي وجود قرية يسكنها السود تقع قرب اسوار المدينة العتيقة و لكن لم نجد هذه المعلومة في مصدر اخر. و ان اعتمدنا على المنطق فان هذه القرية كانت ربما تقع في الركن الشمالي الشرقي للمدينة العتيقة قرب مقام السمراء حيث تتجمع الاسر ذات البشرة السمراء قربها
كما ان وثائق متحف دار الجلولي ذكرت ان السود ملكوا ايضا خارج المدينة العتيقة في الاجنة و الارباض فسليمان بن عبد الله الجناوي كان من سكان ربض صفاقس الجوفي
عادات الزنوج في صفاقس
حافظ ذوو البشرة السمراء على العادات و التقاليد التي جلبوها من بلادهم في افريقيا خاصة في الزينة و التطيب و الرقص و الموسيقى فنجد لهم موسيقى السطمبالي كما كان لهم طقوس خاصة في المداواة قريبة من السحر مثل شرب الدم و توجد لهم امرأة تسمى »العريفة » تدعي مداواة الجن و حافظوا على لغتهم الام او بعض الكلمات منها
https://zaherkammoun.com/2016/05/08/%D8%A3%D8%BA%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%86%D9%88%D8%AC-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3-%D8%A3%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%85%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%8A/
ذكرت احدى الوثائق سنة 1875 و وجدت بمحكمة صفاقس انه كان يوجد في المدينة العتيقة »حانوت العبيد » و هو مكان يتجمع فيه الزنوج داخل المدينة في اواخر القرن التاسع عشر و كان بمثابة المقهى او مكان التلاقي
كما كانوا متعلقين بالأولياء الصالحين و خاصة سيدي منصور و مسعودة السمراء
سيدي منصور
كان سيدي منصور أسمر اللون من أبناء السودان لا يعرف متى عاش في صفاقس إلا أن المؤكد أنه عاش قبل سيدي علي الكراي لان هذا الأخير كان يزور مقامه. كان الشيخ منصور يؤدب الأطفال في مسجد التوبة الذي يلصق السور الشرقي قرب باب الديوان و كان يتعبد في غار قرب برج قزل في الطريق التي سميت باسمه بعد ذلك وهي طريق سيدي منصور
لما توفي سيدي منصور دفن قرب هذا البرج. و أصبح مقامه بعد ذلك مسجدا ثم تحول إلى جامع جمعة و هو اليوم مزار لأهل صفاقس و خاصة ذوي البشرة السمراء
لمزيد من المعلومات عن سيدي منصور اضغط الرابط
سيدي منصور الغلام
Borj Sidi Mansour (Sfax)
مسعودة السمراء
يقع مقام مسعودة السمراء في الركن الشمالي الشرقي لمدينة صفاقس في برج يعرف اليوم ببرج السمراء او برج مسعودة و حسب الشيخ مقديش فان مسعودة السمراء هي امراة سمراء نذرت حياتها للرباط الذي يوجد في هذا الركن من المدينة و للاقلية العرقية السمراء بالمدينة و لكنه لم يذكر لنا تاريخ وفاتها
المصادر
الوافدون على مدينة صفاقس خلال القرنين الثامن عشر و التاسع عشر: اصولهم و توزيعهم و علاقاتهم الاجتماعية و الاقتصادية, علي الزواري
الحياة العائلية بجهة صفاقس بين 1875 و 1930, دراسة في التاريخ الاجتماعي و الجهوي, عبد الواحد المكني
الاصل و الفصل في تاريخ عائلات صفاقس, عبد الواحد المكني
نزهة الانظار في عجائب التواريخ و الاخبار, الشيخ مقديش
La ville de Sfax, recherches d’archéologie monumentale et évolution urbaine, thèse de Doctorat, Faouzi Mahfoudh