الوندال بتونس
لزاهر كمون
يرجع أصل الوندال إلى شمال أوروبا أو الحدود الشمالية الرومانية و هي قبائل جرمانية ارتبط اسمها بالتدمير و الهدم و التخريب (رغم أن عديد المختصين اثبتوا عكس ذلك) ثم انتقلوا إلى جنوب أوروبا بفرنسا و اسبانيا
تحول الوندال إلى إفريقيا سنة 429 و دخلوا قرطاج سنة 439 تحت قيادة الملك جنسريك. عديد الأسباب جعلت الوندال ينتقلون من أوروبا إلى إفريقيا و من بينها أن أوروبا لم تعد مكانا مناسبا للعيش بسبب كثرة الأعداء و أهمهم الرومان و القوط و بسبب قلة الموارد التي استنفذها الوندال. و أراد هؤلاء الآخرون الانتقال إلى إفريقيا بسبب ثرائها الزراعي و الفوضى التي شهدتها المنطقة في أواخر حكم الإمبراطورية الرومانية و تدهور الظروف الاجتماعية و الاقتصادية
كان للوندال هدف واحد و هو الوصول إلى عاصمة الإمبراطورية الرومانية روما و اختاروا أن يكون ذلك من الجنوب
عبر كل شعب الوندال من اسبانيا إلى إفريقيا و يقال أن تعداد الوندال كان 80000 منهم 50000 مقاتل. كان الانتقال بالقوارب عبر مضيق جبل طارق إلى المغرب و من المغرب انتقلوا برا إلى الجزائر و تونس. وصل الوندال إلى عنابة سنة 430. عجز الرومان على التصدي للوندال و هذا ما ساهم في سرعة انتشارهم
قسّم جنسريك شمال إفريقيا إلى عديد المقاطعات و هي: المزاق و نوميديا و ابريتان و الجيتول و زغوان. استطاع الوندال السيطرة على اغلب مناطق شمال إفريقيا في البداية و بقيت سيرتا و قرطاج عصية عليهم و تتبع الرومان. قام الوندال بعقد عديد الاتفاقيات مع الرومان أهمها اتفاقية هيبون في افريل 435 و التي نصّت على منح شعوب الوندال جزءا من إفريقيا يستوطنون به و بعد الدخول إلى قرطاج يوم 19 أكتوبر 439 تم عقد اتفاقية جديدة سنة 442 تم على إثرها الاعتراف بسيطرة الوندال على قرطاج
بعد السيطرة على كامل شمال إفريقيا, تطورت صلاحيات الملك جنسريك من قائد للجيش إلى حاكم مطلق للبلاد. وضع الوندال في مختلف المدن وكلاء لحفظ الأمن و ضمان تبعية السكان لهم
كان السكان الأصليون في بادئ الأمر موالين للوندالين و معاونين لهم ثم انقلبوا عليهم فبدأت الثورات و أهمها ثورة الاوراس و ثورة الجمالة و ثورة انطلاس
ملوك الوندال
جنسريك: 429-477
هونريك: 477-484
جونتاموند: 484-496
تراساموند: 496-523
هلدريك: 523-531
جليمر: 531-534
الحياة الاقتصادية
بعد الدخول إلى قرطاج, انتقل الوندال من حياة البداوة إلى الاستقرار و تطورت الحياة الاقتصادية بشمال افريقيا و من مظاهرها ضرب و سك العملة و تطور الفلاحة بعد تحول بعض الضيعات إلى العائلات الوندالية فقد قام جنسريك بتوزيع الأراضي على الوندال خاصة المقربين و الجنود و قد اهتم السكان بغراسة الحبوب و الزيتون و العنب و التين… كما اهتموا بتربية الخيول و البغال و الجمال و الثيران
أثبتت الأبحاث أن النشاط الحرفي كان في البداية ضعيفا ثم تطورت مع الوقت فيعتقد أن صناعة الفخار و المعادن تواصلت بشمال إفريقيا كما استمرت صناعة الحرير و النسيج و الأثاث و الأسلحة و عتاد السفن
بينت المعطيات الكتابية و المادية وجود حركة تجارية داخلية و خارجية في فترة الحكم الوندالي. و قد قام الوندال بتصدير القمح و الصوف و الكتان و الملح و الزرابي و الخشب و الرخام و تعامل الوندال مع أوروبا و الشرق
بعض المجوهرات من الفترة الوندالية وجدت بموقع تبربو ماجوس
المجتمع الوندالي
انقسم المجتمع الوندالي إلى عديد الفئات و هم:
النبلاء و لهم عديد الامتيازات مثل امتلاك الأراضي و منهم الضباط و الموظفون السامون
المحاربون: كان الوندال رجالا محاربين بدرجة أولى و رغم امتلاكهم للأراضي فإنهم مطالبون دائما بالخدمة العسكرية و هم معفيون من الضرائب
العبيد: جلب الوندال العبيد من اسبانيا و كما وجدوا عبيدا آخرين في شمال إفريقيا و قد اشتغلوا خاصة في الفلاحة
النظام السياسي
كان النظام الوندالي ملكيا وراثيا و يعود الحكم للأكبر سنا و للملك سلطة مطلقة و بلا حدود
يوجد مجلس يسمى مجلس الأعيان أو مجلس العقلاء و يتكون من عدد غير محدد من الرجال تتوفر فيهم شروط معينة و يعتبرون مستشارين للملك
يتمثل النظام البلدي في مجالس المشيخة و تتمثل مهامهم خاصة في إدارة المدن وإدارة القضاء الإداري و قضاء المنازعات
الديانة
يعتبر المذهب الاريوسي أو الآري المذهب الرسمي للوندال و ظهر في القرن الرابع ميلادي على يد كاهن يعرف باسم اريوس ولد في قورينا (ليبيا الحالية)
يقول المذهب الآري بفناء يسوع المسيح فهو ليس باله و إنما هو معلّم يوحى إليه كما يقول المذهب بأن الله واحد فرد لا يشاركه الإنس في ذاته تعالى و هذا يعني أن المسيح هو بشر مخلوق
اعتبر اريوس من قبل الكنيسة الاورثودوكسية زنديقا خطرا على العقيدة المسيحية و لذلك رفض هذا المذهب في مجمع نيقيا سنة 325. كما أن الكاثوليك اعتبروا الآريين مهرطقين
بعد السيطرة على شمال إفريقيا حاول الوندال القضاء على المذهب الكاثوليكي بالترغيب أو الترهيب و كان الترغيب من خلال تقديم التكريمات و توزيع المناصب و الإغراء بالمال و إما الترهيب فكان من خلال افتكاك كنائس الكاثوليك و تعذيب متبعيها ونفي القساوسة.
لم يكن اضطهاد الكنيسة الكاثوليكية متواصلا بل جاءت فترات هدوء ففي سنة 454 استرجع الكاثوليك كنائسهم خاصة الموجودة في قرطاج و لكن أعيد إغلاقها سنة 457 و حاول الملك هونريك جمع القساوسة من الطرفين في مجمع في فيفري 484 للتفاهم و التقارب إلا أن المجهودات باءت بالفشل بسبب الصراع الذي شبّ بين الطرفين و استطاعت الكنيسة الكاثوليكية استرجاع حريتها في عهد الملك هلدريك فأمر بعودة الأساقفة إلى البلاد
اللغة
رغم احتفاظ الوندال بلغتهم الجرمانية فإنهم اعتمدوا كذلك على اللغة اللاتينية و هي اللغة السائدة في ذلك الوقت في شمال إفريقيا إضافة إلى اللغات المحلية
نهاية الوندال
انتهى حكم الوندال في تونس بقدوم البيزنطيين و احتلال شمال إفريقيا و من أهم العوامل التي شجعت البيزنطيين على ذلك: الهدنة التي عقدت بينهم و بين الفرس و التي سمحت للبيزنطيين التفرغ لمهاجمة الوندال و الثورات التي أضعفت الوندال وتشجيع رجال الدين البيزنطيين على القضاء على الديانة الآرية
المصادر
الحياة الاقتصادية في الشمال الإفريقي في العهد الوندالي
التحولات الحضارية في شمال إفريقيا في الفترة الوندالية 429- 534 م
Les Vandales et la culture de l'Afrique - Emprises mutuelles, développements indépendants et conséquences universelles, Dr. Ralf Bockmann, traduction Susanne Friedrich
Les donatistes, l’arianisme et le royaume vandale, Bruno Pottier
L’Afrique et la persécution vandale, Yves Modéran
La guerre de religion : les deux églises d’Afrique à l’époque vandale, Yves Modéran