الربض القبلي بصفاقس

لزاهر كمون

بنيت المدينة العتيقة بصفاقس في الفترة الأغلبية في القرن التاسع ميلادي و كان اغلب سكان صفاقس يقطنون بها يحميهم السور من هجمات الغزاة و من الحروب

أمام باب الديوان أو باب البحر من الجهة الجنوبية للمدينة العتيقة بني ربض يسمى بالربض القبلي لتمييزه عن الأرباض الأخرى و التي تقع شمال المدينة العتيقة مثل ربط القوابسية و ربط العوايد. بني هذا الربض في عهد علي باي الحسيني الذي أمر ببنائه سنة 1775/1776 و في نفس السنة بني جامع السلاّمي الذي يقع أمام باب البحر نسبة للتاجر حمودة السلاّمي. انتهت أشغال الجامع سنة 1784

الربض القبلي جنوب المدينة العتيقة

تم سنة 1778 بناء فندق للمسافرين أمام باب البحر و أوقف دخله الباي علي باي الحسيني للفسقية الموجودة بحديقة التوتة اليوم. يبدو أن بناء الربض و الجامع و الفندق كان هدفه توطين سكان صفاقس خارج المدينة العتيقة من جهة البحر بعد أن ضاقت بهم المدينة العتيقة مع العلم أن سكان صفاقس انتقلوا للسكن من جهة الشمال حيث بنوا الأبراج و بدأت تتكون الأجنة

بني الربض القبلي بين برج النار و برج الرصاص (قهوة الديوان حاليا) و قد كان المكان قبل ذلك منطقة رطبة بها عديد زوايا الأولياء الصالحين مثل زاوية سيدي  حريز و زاوية سيدي عمر كمون و يعرف المكان بالخبيزة. يبلغ طول الربض 300م من الشرق إلى الغرب

يبدو أن سكان صفاقس لم يستطيعوا العيش بهذا الربض لعديد الأسباب من بينها انتشار الأمراض مثل الطاعون سنة 1784/1985 و الهجومات التي تعرّض لها الربض في فترات متعددة مثل قصف البندقية لصفاقس يومي 30 افريل و 5 ماي 1786

تحوّل هذا الربض بعد فترة من الزمن من مدينة إسلامية إلى حي إفرنجي خاصة مع بداية استقرار الأجانب في صفاقس منذ سنة 1830 و قد قام بعض الرحّالة و القناصل بوصف هذا الحي في القرن التاسع عشر و من بينهم: قنصل سردينيا فيليبي سنة 1829 و بيليسيي سنة 1849 و قيران سنة 1860 و قد أشاروا إلى عيش الأجانب به مثل المالطيين و اليهود و الايطاليين

حمل هذا الربض عديد الأسماء من بينها: الربض القبلي, حي الإفرنج, حي اليهود, حي الروم

الربض القبلي مركز ديبلوماسي هام

أشار الدكتور جمعة شيخة في كتابه مدينة صفاقس إلى انه كان بالربض القبلي عديد القنصليات لبريطانيا و فرنسا و سردينيا و الولايات المتحدة الأمريكية و نابولي و توسكان كما أشار الأستاذ صابر السيالة إلى وجود ساحة للقنصليات بهذا الربض أصبحت بعد ذلك تعرف بساحة كارنو

مقر قنصلية بريطانيا بالربض القبلي

سكان الحي الافرنجي

بعد هجره من المسلمين, سكن المسيحيون و اليهود هذا الحي و كانوا من مختلف الجنسيات مثل الايطاليين و المالطيين و اليونانيين و الفرنسسين و اليهود التوانسة أو الليبيين أو من القرانة. كان الربض القبلي مدينة متعددة الألوان و الأعراق و الأديان

مكونات الربض القبلي

يتكون الربض القبلي من مبان و شوارع متعامدة و أهم شارع به هو الامتداد لنهج الجامع الكبير من المدينة العتيقة و يبدأ من أمام باب البحر أو باب الديوان. أطلق على هذا الشارع اسم شارع الجمهورية في فترة الاحتلال الفرنسي أما قبل ذلك كان يحمل الاسم الايطالي سترادا ريالي

صور لشارع الجمهورية

 مثل المدينة العتيقة كان للربض القبلي سور يحميه و به فتحات و هي ثلاث أبواب: الباب الغربي و الباب الشرقي و الباب القبلي و كانت هذه الأبواب تعتبر مراكز ديوانية و تغلق عند غروب الشمس من كل يوم و يوم الجمعة عند العصر و تحمل مفاتيح الأبواب إلى القايد أو العامل وقد قام الاحتلال الفرنسي بهدم هذا السور بعد سنتين من الاحتلال. كان بالسور برجان للحراسة و هما برج السلامي في الشرق و برج التبانة في الغرب الذي كان أيضا مكانا للكرنتينة. يوجد بين الربض و المدينة العتيقة ممر يعرف باسم المرّ و كان يستعمل للمرور و للدفاع عند الحاجة

انهج الربض القبلي: نهج سيناء, نهج القدس, نهج الجزائر, نهج قرطاج, نهج حنبعل, نهج الكنيس اليهودي, نهج جول فيري, نهج ليوناك, نهج باستور, نهج تيسو, نهج الكنيسة, نهج الجمهورية, نهج الفلاترز, نهج شانزي, نهج ابن أوى, شارع فرنسا, شارع بارثيليمي سان هيلار

شارع فرنسا

شارع ليوناك

شارع جول فيري

المعالم الدينية: جامع السلاّمي بشارع الجمهورية, الكنيس اليهودي بنهج المعبد اليهودي, الكنيسة بشارع فرنسا, الكنيسة البروتستانتية, الكنيسة الاورثودوكسية

الساحات: ساحة القنصليات أو ساحة كارنو و ساحة لافيجري

ساحة كارنو

شهادة احد متساكني الربض القبلي في الثلاثينات من القرن العشرين و هو هانري كالزاريلي

كان بالحي الكثير من المساكن و المحلات التجارية و هذه بعضها:   صيدليتان, مقر صحيفة الديباش سفاكسيان, مكتبات, مقاهي مثل مقهى الأصدقاء و مقهى الاينيون, متاجر مرطبات, محلات حلاقة, محلات بيع الأقمشة و اكسسورات الخياطة, محلات بيع المجوهرات و الساعات, مخبزة, بائع فطائر, بائعو الزيت, خياطون, بائعو الحبوب, محلات إصلاح الأحذية

و هذه أسماء بعض العائلات التي سكنت أو عملت بالربض: كالافاتي, بوكارا, موزي, ازوباردي, دابونو, كانون, بربي, عزرية, ايدان, براملي, شملة, بسميث, عياد, شلي, نعيم, كوهين, دمق, ريسو , كافاريتا, بادوياني, ديزيرا, ميسكات, لاكونو, شكلونة, مفسود, بن سالم, بالومبا, غرياني, سعادة, سبيتاري, سوكلاني, اربيب, بردة, ناحمياس, كوردينا, جوردانيلا, اللومي, بارتولينو, التريكي, الطرابلسي, نعيم, زنزوري, السلامي, علوش, عنكري, مصيحيد, بريانتي, فانجال, سعدون, فروجيا, كريتيكوس, عبد الهادي, القرقوري, قفصو, خياط, تكتوك, درمون, حنون, زريبي, علوش, بن داوود, ستيمان, عنكري,

الربض القبلي به حارة لليهود؟

حسب شهادة هانري كالزاريلي فان الحي يسار شارع الجمهورية حيث يوجد المكان الذي يسمى الخبيزة كان تقطنه أغلبية يهودية و كانت انهج هذا الحي تسمى نهج القدس و نهج سيناء و نهج الكنيس اليهودي و هذه الانهج لها علاقة كبيرة بالديانة اليهودية نظرا لقدسية سيناء و القدس عند اليهود. كان يهود هذا الحي من مختلف الأصول فمنهم اليهود الذين قدموا من جربة و منهم اليهود الذين قدموا من الأندلس بعد  طردهم مع المسلمين زمن محاكم التفتيش و منهم يهود القرانة أصيلي مدينة القرنة الايطالية و لذلك لاحظ صاحب الشهادة في هذا الحي اختلاف لباس اليهود و خاصة اختلاف لغاتهم فنجدهم يتكلمون العربية و الفرنسية و الايطالية

نهاية الربض القبلي

تسببت قنابل الحرب العالمية الثانية من ديسمبر 1942 إلى ماي 1943 في تدمير عديد المنشئات و المعالم بصفاقس و كان الربض القبلي أكثر الأماكن تضررا من الجهة الجنوبية للمدينة العتيقة و قد عانى سكانه من ويلات الحرب و الخراب بعد ذلك

عند انتهاء الحرب العالمية الثانية قررت السلطات الفرنسية إزالة ما بقي من مباني الربض القبلي المتضررة لبناء حي  جديد يليق بمدينة صفاقس و تحقق ذلك في نهاية الأربعينات و بداية الخمسينات من القرن العشرين ببناء الحي التجاري الجديد بكل مكوناته: مساكن, محلات تجارية, إدارات للأمن و المالية و البريد و البرق و الأشغال العامة و محكمة كما لم ينس الاحتلال الفرنسي الثقافة و الترفيه فبنى نزل مبروك و قاعة سينما و مسرحا بلديا بناه دي مونتو و ذلك تعويضا للمسرح البلدي القديم و الذي دمّر في الحرب العالمية الثانية. بني في الحي أيضا جامع السلاّمي بعد أن تهدم القديم في نفس الحرب

الحي التجاري الجديد و جامع السلامي الجديد

انتقل سكان الربض القبلي للعيش في حي جديد يعرف بالحي التعويضي و يقع اليوم في بيك فيل

الحي التعويضي

ماذا بقي اليوم من الربض القبلي

بقي اليوم شاهدا على العصر هذا الباب المؤرخ لسنة 1871 أي 10 سنوات قبل الاستعمار الفرنسي

الشاهد على 175 سنة من تاريخ الربض القبلي

المصادر

صفاقس المدية البيضاء للدكتور رضا القلال

الجاليات الأوروبية بصفاقس بين الحربين, دراسة ديموغرافية للأستاذ صابر السيالة

باب بحر صفاقس, التاريخ, الذاكرة, الهوية للدكتور رضا القلال

Quartier Franc, Faouzi Mahfoudh

نزهة الأنظار في تواريخ العجائب و الأخبار للشيخ محمود مقديش

UN TRAIT D'UNION, Diaspora Sfaxienne 2005

Leave a reply

Your email address will not be published.